قيامُ الليلِ يا صاحبي، والدُعاء!


لا أذكُر هذه القصّة على سبيلِ التفاخُر بطاعة، لكنّني أذكُرها لأدلّك على باب خيرٍ عظيم.. علّك تأخُذ منها الفائدة وترى فيها العِبرة.. واللهُ من وراءِ القصد.

أعلمُ أن الحياةَ تبدُو صعبة، لديكَ ظرُوفك، تُحيطك إختباراتٌ ما أعددت لها، والضغط العصبيّ يلازِمُك كظلّك أو أشد.. لكنّني سأحاول أن أدلّك على حلٍ سحريٍ وأعدك بنتائج مضمونة.. خفّف ما بكَ من توتر، لقد بذلتَ طاقتك.. جهّز قدحاً من القهوة وتعال لأُحدّثك قليلاً.. اجعل القدح قدحين واحد منهُم "سُكر زيادة" لأنني أحُب القهوة هكذا.. جهزته؟ جميل.. هيا بنا..
ديسمبر، 2019.. هاتفي ما عاد يحتمل، مدمّرٌ أكثر من برلين حين دخلها الجنُود.. وأنا أضحيتُ عصبياً بسبب بُطئه وكثرة مشاكله.. الحقُّ أنني أنهكتُه وأنهكني. أُحاول جاهداً الحصولَ على هاتف جديد، لكنّني لا أستطيع لذلك سبيلاً، المادة تقفُ عائقاً بيني وبين ذلك. أثناءَ تصفحي في مواقع التواصل، وجدتُ منشوراً استرعى إهتمامي.. كان تابعاً لإحدى أكبر قنوات اليوتيوب في المنطقة العربية، كانوا يقدمون هواتفاً مجانية للمُتابعين على مدار أسبوعين! وكُل ما يتطلبك الأمر أن تفعله هُو أن تكتبَ تعليقاً وتنتظر أن تكون ضمن سُعداء الحظ الذين يتم اختيارهم عن طريق القرعة على مدار 14 يوماً. كتبتُ تعليقاً.. كُنت أتمنى الفوز حقاً.. تمنيتُه من كُل قلبي حتى أصبحتُ أدعو أن أفوز في القرعة.. دعوتُ الله كثيراً أن يُحقق لي ذلك.. وكان لديّ طريقتي السحرية للفوز.. أنا أقُوم الليل (الله أكبر)، ولذلك قررتُ أن أدعو بالفوز في قيام الليل.. وعلى مدار أسبوعين كُنت أقوم الليل وأدعُو بكل يقين في الإجابة، ثُم أستيقظ صباحاً لأرى اسم الفائز بالهاتف وأنا واثق تماماً بأنني سأكون هو.. لكن للأسف لم أكن الفائز الأول، ولا الثاني، ولا الثالث.. وهكذا رُحت أصلي وأدعو ليلاً ، وأستيقظ صباحاً لأكتشف أنني لم أفز.. وفي آخر يومٍ من ديسمبر، انتهت مدة السحب، في هذا اليوم تم الإعلان عن آخر فائز .. لم أكُن أنا بالطبع، أصابني حزنٌ شديد.. ما تعوّدت ألّا يستجيب الله لي حينَ أدعوهُ بكُل ثقتي، حينَ أتضرع إليه ليلاً.. وهُو يعلم صِدق حاجتي. لكنني قُلت لنفسي "لعلهُ خير".. وحتى أكونَ صادقاً، فقد راودنِي شعُورٌ باليأس، كُل هذا الدُعاء ولم يُستجب لي! لكنّني قُمت ليلتها كذلك، وحمدتُ الله على ما وفقني إليه، وجدّدت خضُوعي بين يديه ورضاي بأقداره، ثم أنهيتُ صلاتِي وعُدت إلى سريري الوثير لأنعم ببعض الراحة.. ينتظرني في الغد يومٌ طويلٌ جداً.. سيعُود والدي من السفر وعليّ استقبالهُ من المطار.
في اليوم التالي.. وصلَ والدِي بحمدالله، استقبلتهُ في المطار وعُدنا إلى المنزِل وبعد ساعاتٍ من الحديث، في لقطةٍ لا تُمحى من ذاكرتي، أخرج لِي هاتفاً جديداً اشتراهُ لي! أنا لم أخبِرهُ عن حاجتي إلى هاتفٍ جديد! لم أحكِ لهُ أيّ تفاصيلٍ عن كُل هذا!، لكنّه ابتاعَ لي هاتفاً جديداً، واحزروا ماذا يا رفاق؟ .. لم يكُن كالهاتف الذي خسرته في تلك القرعة... كان أفضل منه!.
لقد استجاب.. كان قدّ رتّب الأقدار حتى أدعوه ويستجيب لي.. كان يؤخّر الأمرَ فقط، لكنّه استجاب، وراضانِي بأفضل مما أتمنى وبأفضل الصُور الممكنة التي كان عقلي يعجَزُ حتى عن تخيّلها.
قُم ليلَك، تحرّى الثُلثَ الأخيرَ من الليلِ (حينَ ينزل اللهُ إلى السماء الدنيا) واقتنص فيه ركعات، فإن استصعبت ذلك فأوتِر بركعة واحدة وأطل ركُوعك فيها وسجُودك، أطل دُعاءك وخشُوعك، ادعُ الله أن يثبّتك على الحق، وأن يرزقك الجنة، ثم ادعُ لنفسك، لعائلتك، ادعُ لصحتك، لدراستك، لمالك، ادعُ بكُل أمنياتك من أصغرها حتى أعظمها.. ادعُ الله أن يوفقك في طريقك وأن ييسر لك أمورك، ادعُ الله يا صاحبي ولا تخجل، والله قد فاتنا خيرٌ عظيم من قلّة دعائنا وكثرة ابتعادنا.
ليست قصّتي الأولى مع القيام وليست الأخيرة، كم من إختبارٍ دخلتُه وركبتاي ترتجفان (بتخبط فبعض أيوا والله) ، وخرجت منه لأحمد الله على ما وفقني إليه، كم من رزقٍ ساقهُ الله لي، كم من تغيّر في الحال لامستُه بعد دُعائي و وقوفي بين يديه. وأسمعُ صوتاً من الخلف يُنادي (انت بتتنطط علينا يعني عشان بتصلي القيام وعشان جالك موبايل وبتجيب درجات كويسة في المواد؟) فأُجيب أنّي ما ذكرتُ ما قد ذكرتُ إلا من بابِ الحثّ على الخير، وشحذ الهمم وتقوية الأمل وزيادة الرجاء وإخلاص اليقين بالله، والتوكّل عليه.. وأُرجع الفضل لما أنا فيه من خيرٍ ونعم للهِ سُبحانه وتعالى "وأما بنعمة ربك فحدث" وقد حدثتك بها وذكرتها حتى يشتدّ سعيُك ويزيد حماسُك حين أحكي لك، وأدعُوك أن تُجرب القيام والدُعاء، لترى بنفسك نتائج ما أُحدثك عنه.. القيامُ يا صديقي والدُعاء!.
اللهُ كريم! الله قريبٌ منّا جميعاً لكنّ تقصيرنا يمنعُنا من استشعار ذلك، ادع الله بيقين.. ادعُه بإخلاص، وسترى دُعاءك رأي العين إن شاء وكان خيراً لك.. اسأل اللهَ أن يُلمهنا التعلق به والخشوع بين يديه واللجوء إليه، واسأله أن يرزقنا الإخلاص وألّا يفتننا حتى نلقاه.. اللهم آمين.

عن ميلامبوديس

 ملاحظاتٌ قبل أن ننطلق:

*الكلامُ الوارِد في المقال لا يجب أن يُؤخذ على سبيل التعميم.*
*أطلق عليها اليونانيون اسم "ميلامبوديس" وتعني "الأرض السوداء"*
جلسنا على كُرسيين عتيقين، في مقهى على ضفاف أحد أشهر الأنهار، تمتزج السماءُ بلون المياه في الأُفق.. منظر خلاب يأسر الألباب.. ويرقص صرصُور ليلٍ لعينٍ في جشع تحت إحدى الطاولات، لابـُد أنه سيتزوّج الليلة، لا أحد يرقص ويغني بهذه السعادة إلا إن كان سيتزوج – إن كان عازبًا- ، أو أن زوجته رحلت – إن كان مُتزوجًا- ، والفارق كبير.. لكن دعنا من حالة الصُرصور العاطفية، لقد رأيتُ أنهُ الوقت المُناسب للحديث، لابد أنه كذلك.. محمود صديقي الوطنيّ جدًا، دائمُ المعارضة لي حول آرائي الوطنية الوقحة بحسب وصفِه لها.. وقد قرر أن يُحوّل هذه الجلسة الجميلة على ضفاف نهرٍ جميل – يزخر بمسببات البلهارسيا باعتقادي- إلى مُناظرةٍ شديدة اللهجة، وأعتقدُ أنّني سأوافق على ذلك لمرّة أخيرة قبل أن أٌغلق باب الحديث عن هذا الموضوع في وجهه إلى الأبد.

"ماذا تقُول في أرضنا، ووطننا؟" ، قالها بلهجة جُنديٍ عائدٍ من انتصار أكتُوبر.. لكن إجابتي كانت باردةٍ جدًا.. قُلت له إن ميلامبوديس لم تعُد ذات المكان، هذه ليست الأرض ذاتها، السماء ليست هي ذات السماء، والأشخاص.. الأشخاص لم يعُودوا هُم أولئك الأشخاص، هذا ليس وطننا، إن كانت ميلامبوديس أرضكُم فهي لم تعُد كذلك بالنِسبة إليّ، استمتعوا بوطنيّتكم الزائفة وشعاراتِكم الكاذبة، وبالتأكيد آمالكم المرسومة بقلمٍ من الرصاص، ما عادت تعني شيئًا الآن، يكُون الأمل ذا قيمةٍ إن كانَ لهُ ما يقُود إليه على أرض الواقع، لكن إن ارتبط الأملُ بخيالاتٍ وتهيؤات فلا خير فيه.. لا أذكرُ لوطنِي حسنةً واحدة في الماضي، وبالتأكيد لن أتوقع قدُوم الحسنات في المستقبل.

- "إذن أنت تتبرّأ من أرضك وأرض أجدادِك وآبائك؟"
في الواقع هذا سؤالٌ مثيرٌ للسخرية.. لطالما استخدموا هذا السؤال لإفزاعي حينَ كُنت طفلًا يلهُو ويعترضُ على ما يدُور في ميلامبوديس، حين كُنت أُطيل النقاش سارحًا بمُخيلتي في شارِع المشاكل المُكتظ.. كانُوا دائمًا يطرحون عليّ ذات السؤال، في الحقيقة لا أعلمُ لماذا يُفرض عليك أن تفتخر بأرض آبائك وأجدادِك، ولماذا يكُون هذا من شروط وجُوب إقامتك في ذات الأرض التي عاشوا عليها، ما علاقةُ ماضيهم بقراراتي؟ كانت هذه البلاد صالحةً للعيش والآن هي ليست كذلك، لو أن كُل إنسانٍ لزِم أرض آبائه وأجدادِه لبَقي البشرُ في ذات المكان مُنذ بدأ الخليقة ولما انتشرُوا في البلاد.. ألا تُوافقني؟ ، لماذا نستمر بذكر من سبقُوا؟ هُم قد عاشوا حياتهم كما رغِبوا وانتهى عهدُهم وعهدُ مجد هذه البلاد، لمَ يُفرض علينا دائمًا أن نفتخر بما فعلُوه؟ هُم قد فعلوه ولسنا نحن.. ثم إن..
- قال مُقاطعًا "لكن ميلامبوديس لديها سبعتلاف سنة حضارة يبني! وأيضًا نـ.."
قاطعتُه كما قاطعني وقُلت: وما فائدةُ تقدّمك وتطوّرك في زمنٍ مضى؟ في حين أنك تعيشُ الآن في قاع الحضيض؟ لن تحل لك سنينُ الحضارة مُشكلات البطالة، والطبيبُ الذي يقُود "المشرُوعَ" إيّاهُ لن تُطعمه سنين الحضارة إن تعطّلت سيّارتُه ليومٍ أو اثنين، سنينُ الحضارة لم تُلذ المُشرّدين في الطُرقات، ولم يأوِ إليها الكادحُون حينَ تفاقمت الأمُور، سنينُ الحضارةِ لن تُعلّم الأطفال، ولن تُطوّر أنظمة التعليم الفاشِلة..

- " أنظمة التعليم الفاشلة التي تتحدث عنها قد أخرجَت لنا أحمد زُويل ومجدي يعقُوب.. وغيرُهم الكثير الكثير"
إذا نظرنا إلى عدد سُكاننا.. كم نسبةُ العلماء الجهابذة والأطباء العباقرة الذين تتحدّثُ عنهم إلى المُجتمع؟ ، قليلُون؟، كم شركةً مؤهلة لتصنيع الدواء المصري الذي ابتكره علماء مصريون؟، كم تمتلك بلادنا من مصانع إنتاج السيارات التي يُديرها مهندسون أكفّاء تخرجوا من أنظمتنا التعليمية المميزة؟ كم براءة اختراع مُلهمة ومفيدة؟ .. قليلُون هم.. أليس كذلك؟ وقِلّتُهم دليلٌ على أن ما وصل إليه العباقرة الذين ذكَرتهم أنت كان من ثمرات الإجتهاد الشخصِي، لأنه لو كان من ثمرات النظام التعليمي الناجح لرأيت أضعاف أضعاف ما ترى الآن من هؤلاء القُدوات.

- "لكن الخير موجودٌ في هذا الشعب لايزالُ هنالك أمل"
بالتأكيد! هنيئًا لك الأمل، أتمنى أن تعيشا بسلامٍ معاً، بعيداً عني، عيشُوا بسلام.. أقنعُوا أنفسكم بأنّكم وطنيّون وأن هذه الأرض تستحِق ما تُلاقون من عناء في سبيل العيش على ثرَاها.. أنا لا أجِد ما يربِطُني بهذه الأرض سِوى أنه –لسعادة حظي- وُلدت فيها و ارتبطَت باسمي في بطاقة هويّتي، إن الوطنية العمياء والإخلاص الأصم الذي تبحث عنه لن تجده فيّ، لماذا تُقدَّس الأرض وترتفع قيمتها حتى تتساوى بقيمة الإنسان أو تزيد؟ لماذا نُنكر أن أرضنا لم تُقدم لنا ما يدعو لأن نُحبها ونتغنّى بها؟، ميلامبوديس لا أمان فيها، إن لم تكُن ذلك الفتى المُدلل الذي ابتاع لهُ "بابي" فيلا شامخة في أحد التجمعات المحشوة برجال الأمن والكاميرات.. فلا أمان هُنا يا صديقي.. أنت تمشي في الشوارع على استعدادٍ بأن تُطعن إن حاولت أن تمنَع مُتحرّشًا من فعلتِه، أو تُطعن إن حاولت أن تأخذ حقّك مع سائقٍ طائش، أو تُطعن دُون سبب لمُجرد كسر الملل.. لا أمان لك في الشوارع العامة، لا أمان لكَ حتى في منزلك.. ميلامبوديس لا وعي فيها، تابع الأخبار وستجدُ شعبنا كُل يومين ينقسم إلى فئتين فجأةً ودُون أسباب، فئةٌ تترحّمُ على الكُفار وفئةٌ تلعن المترحّمين على الكُفار، فئـةٌ ترى أن النساء هم نصف المُجتمع، وفئةٌ ترى أن الرِجال نصفُ المجتمع، ولا يدركان أن أي مُجتمعٍ قابلٌ للقسمة على نِصفين فقط! ، فئةٌ تحب الفُول وفئةٌ تُحب الفلافِل! ، خطُوطٌ متوازية لا مجال لالتِقائها، وضياعُ أوقاتٍ فيما لا يُفيد، وإن مَللنا نبدأ بالسُخرية، السُخرية من أنفسنا، من الدول المجاورة، من الدين، من كُل شيءٍ وأيّ شيء!.. ميلامبوديس لا أملَ في شبابِها، الطفلُ هُنا قبلَ أن يتعلّم القراءة يتعلّم البلطجة والعِراك ورفع الصوت وعدم احترام الكبار، لا أعلم ماذا حدث للأطفال بريئي الملامح مُحبي الدُمى، أطفالُ هذه البلاد في وجُوههم غباء صارخ، وفي أخلاقهم عطبٌ لا شك فيه، في الثانية عشر وتراهُ ينفُث دخان السجائر كقطارٍ قديم، ولديه قامُوس سبٍ وقذف يحوي ألفُ كلمةٍ على الأقل، يتحرّش بالنساء قبل حتّى أن يبلغ الحلم! ، ويرتبط بثلاثين فتاة تُشبهه على الأقل قبل أن يُتمّ السادسة عشر، وقد يُمارس كُل ما هُو عيبٌ وحرام على سبيل التجربة.. أمّا الفتاةُ في السن إيّاه فتراها تبدأ بإنتاج مقاطعٍ راقصة وصور خليعة بملابس تؤخذ على محمل عدم الوُجود، وتنشرها مستجديةً التعاطف أحيانًا، ومُغردةً بالقوّة والاستقلال أحيانًا، وكِلاهُما –أي كلا الجنسين- يتفننان في الجهل بالدين، والمساس بالمُحرمات، ولا ألُومهم فقط، أين مسؤولية الأهل وأين مسؤولية الدولة في الحفاظ على شبابها من هكذا مصير؟ أم أين مسؤولية من وكيف ولماذا؟ لا أحد يعلم مسؤولية من ما وصلت إليه الأمور.. ولا أحد يعلم كيف وصلت ميلامبوديس إلى هذا المنحدر.. كيف سيكُون مستقبل البلاد إن كانت هذه أخلاق الجيل القادم؟.

- "ألا تفتخر بأرضك وتراثك وأجدادك؟ من لا خير فيه لوطنه لا خير فيه إطلاقًا!"
هل تُطالبني أن أفتخر بانتمائي للأرض؟ لم تُقدّم لي هذه البلاد ما يدعُو لأفتخر بها، أم تُطالبني أن أفتخر بانتمائي للشعب؟ أليسَ سائقُ "المشروع" الذي يكادُ يطعنني في أي لحظة من الشعب؟ واللصُ الذي يظلمُ المواطن الـمُعدم ويبني القصُور المشيدة من الشعب؟ سائق "التوكتوك" الذي هددني بسكيـنٍ لاختلافِنا في جُنيهٍ أو اثنين، أليس من الشعب؟ البائع النصّاب من الشعب؟، وتلك الكائنات التي تسُب الدين في الشوارع ليلًا ونهارًا دون كللٍ أو مللٍ – أليسوا من الشعب؟ ، الموظّفُ الحكُومي عديم الأخلاق أليسَ من الشعب؟ والمُرتشون في كُل مكانٍ أليسوا من الشعب؟ والفيلسُوف الذي يعيش نظرية المؤامرة ويُضر نفسه وشعبه، أليس من الشعب؟.

- "أنت ناكرٌ للجميل، أنت لا تقدر الأرض التي ربّتك ولا الأناس الذين أحاطوا بك وساندوك دومًا.."
رُبما، لكن هذه الأرض لم تمنحني ما يشفعُ لها، ليس بهذه الأرض مستقبلٌ إلا لمغنٍ رديء الصوت مُصاب بالانتفاخ، أو لراقصةٍ سبعينيـةٍ رشيقة، و مُقدموا برامج المقالب ثقيلي الظل، ونجُوم شاشاتٍ يُصدّرون الرذيلة والبلطجة والإنحطاط لشبابٍ طائش، ثُم يعُـودون في حملاتٍ مُمنهجة للتحذير من الرذيلة والبَلطجة والإِنحِطاط! وللومِ الشباب على تقليد كُل ما يرونه في التلفاز!، الـمُستقبل مُشرِقٌ للصوصٍ بخلاء نهبُوا البلاد ثُم استأثروا لأنفسهم بكومباونداتٍ آمنة بعيدًا عمّا خلفوهُ وراءهم من دمار.. ليُطلّوا علينا بإعلاناتٍ فظّة متبجّحين بنتائج سرِقاتِهم المتواصلة.. ليخبرُونا أنّهم قد بنوا "مدينتهم" الخاصة بعيدًا عن أنظارنا نحنُ الغجريون.. في "مدينتهم" يحفظون قائمة المشروبات التي يقدمها "نجم بوكس"، ويفطُرون بيض النعام، لذلك الحق كُل الحق لهم في أن يستنقصوا منّا، نحنُ غجريون فعلًا!... لكنني لا ألومُهم، ألُوم بقيّة الشعب أيضًا.. وألُومك وألُوم نفسي.. أتدري؟ أنا ألُوم الجميع، وهذه هي الـمُشكلة.. لم يعُد اللومُ يوجّهُ لشخصٍ بعينه، أصبحَ الجميعُ مُشتركون فيما وصَل إليه الحال، الجميعُ يكره الجميعَ ويُطالب الجميعَ بأن يتحضّروا ويتوقفوا عن السرقة والنهب والبلطجة لكي يُصبح الجميع بخيرٍ من جديد.. هنيئًا لكم جميعًا.. أما أنا فسوف أُغادر على متنِ أولِ طائرة ٍفي أقرب فُرصة.. لستُ مِن مُدّعي الإصلاح ولا من الداعِين إلى معالجة الأوضاع إن عُمر هذه الأرض يبلُغ ملايين السنين، بينما عُمري الافتراضي كبشري لا يتجاوز السبعة عقُود، وأنا لستُ في استعدادٍ لأُضيع سنيّ عُمري القليلة في بلدٍ لا تستَحِق ذلك.. أنا أرى الواقِع ولا داعِي لأكذب على نفسي بأن الأُمور ستصبح أفضل في الغد.. لا يُوجد غدٌ هنا.
" ..."-
هل تعرف سوادَ العسل؟ ، هُنالك فارقٌ كبير بين العسل الأسود و الزِفتْ الأسود.. ربما يشتركان في الدرجة اللونية.. لكن إيّاك أن تطلب منّي أن آكل الزِفت وتحاول أن تقنعني أنّه كالعسل الأسود.. لا يا عزيزي.. كُل من الزفت بقدر ما ترغب بمفردِك.. أنا ذاهبٌ لآكل في مكانٍ آخر.

1+1 =؟


إذن.. تقرأُ كلماتي من خلف شاشة هاتفك، أو حاسُوبك العتيق.. أصابَ الحجرُ من فراغِك إصابةً عظيمة.. لذلك دعنَا نحتسي قدحينِ من القهوة -كما يفعَلُ الرجال المثقفون في نظرتنا النمطية- ونجلِس على طاولة النقاش، أطرَح عليك رأيًا وتسُبني في خانة التعليقات لأنه لم يناسبك، لا بأس في ذلك حقًا.. قليلٌ من التسلية في هذا الوضع الجامد لن تضر أحدًا.. ماذا؟ لا تُحب القهوة؟ لا مُشكلة سأحتسي القدحين، لا عليك.. فقط أنصت قليلًا – أو اقرأ - أيًا يكُن.. وسأتحدَّثُ هُنا عن طباعٍ وأُسس، لا عن شخصيّاتٍ معينة، ولا يختَصُ حديثي بجنسٍ دُون آخر، أو عُمرٍ معيّن.. فقد ترى ما سأُورد من أنواعٍ قد يختلطُ بعضها ببعضٍ في أحد الأشخاص.. أو قد يتفردُ الشخص بصفات نوعٍ دُون آخر، ولا أدلّة هُنا يا صديقي أو إحصائيات، أنا أنثُر واقع رؤيةٍ، ومعاشرةٍ، وتجرُبة، بشيءٍ من السرد الذي لا يطُول ولا يَقصُر.. هذهِ مُهمتي.. أما عن مُهمتك يا عزيزي –بجانب أن تمدحني أو تذبحني في المكان المخصص للتعليق- فهي تقتصرُ على إسقاطاتك الفذّة على واقعك المعيشي.. لذلك دَعني أروي، وسأدَعُك تُحلل.. لكن عِدني ألّا تُقاطعني.. وأن تُناولني قدحًا من القهوة أو الماء كُلما احتجتُ لذلك.. لنبدأ الآن.. فأنا لا أُحب المقدمات كما تعلم!.

أخبرَني أبي مرةً عن الرجُل الذي كان إن أصابهُ الحزن، اعتَلى سريره، ثم غطّ في نومٍ عميقٍ ليصحُو صبيحة اليوم التالي وقَد نسِي همُومه تمامًا ويبدأ يومَهُ بابتسَامة.. كانَ كُل ما يفعله لتجاوز الحُزن أن يغفُو فقط!.. شغلت القصّةُ بالي كثيرًا.. كيف ينسى لمجرد أن ينام؟ ثم كيف ينامُ أصلًا وقد بلغَ منهُ الحزن مبلغًا عظيمًا؟.. كانت تلكَ تساؤلاتي التي قادتني لأن أُلاحظ بوضُوح مع مرُور الوقت وتتابُع معرفتي بالبشر.. أنّ لبعضِهم قلُوبًا قد غُلّفت بجلدِ تمساحٍ عجوزٍ سميك، وبعضُهم قَد غُلف قلبُه بجناحَي أرَق الفرَاشات.

حتّى في تفكِيرهم لبعضِهم عقلٌ أشبَه بالحاسوب، أو الرجل الآلي.. لدَيهِ مُعطياتٌ، يمنحُك على أساسها مخرجات.. طريقة تعامله مع المعطيات بسيطة -الشكل- .. ناتِجُ جمع الرقمين ١+١= ٢، لا خيَال هُنا ولا يُوجد مساحةٌ شاعرية، أو نظرةٌ غير مألوفة.. نتحدَّث عن عقلٍ حاسُوبي لا شعُور فيه، وأتحدّثُ هنا مجازًا فالجميعُ لديهم مشاعرٌ بالتأكيد، لكن صاحب هذا العقل يكَادُ يُقنعك بعكس ذلك، لفرط تجاهُلهِ لكُل ما هُو محسوسٌ غيرُ ملموس.. لديه أهدافٌ محددة لا يتشتتُ عنها، ويتحدّث بلغَة معقّدة لا يفهمهَا إلا عقلٌ مثله.. لا يلتفتُ لمشاعرٍ قد تُلهيهِ عن أهدافِه، ومسؤوليّاتهُ أولويَّةٌ لديه.. صريحُ العبَارة قليلُ التفكير في العواقِب إن لم تكُن تخُصّه، ثابتُ المزاج كالصَخر، لرُبما ظل على نفسِ مزاجه الذي كان عليه في بطنِ والدته ولا حرج.. ينامُ بعدَ تخطيطٍ مُحكم للغد، ولما بعدَه، وللمئتين وسبعين سنةً القادمَة من عُمره!، يُخطط لذلك بمُعطيات واقعهِ، لا مجالَ عندهُ للأخطاء، للخيال، ولا للأحلام.. ما سألقاهُ غدًا يعتمدُ على ما سأفعلهُ اليوم، لن تأتي المُعجزة من السماء لسوادِ عينيك.. عقلٌ شديدُ التركيز فيما يُريد لكنُّه لا يتذكّر اسم صديقه العزيز، غالبًا مُقنن العلاقات لا يراها ذَات منفعة، مقتَضبُ الكلام.. يرُد عليكَ فيمَا سألت، يُعطيك ما طلبت.. دائمًا ١+١= ٢ ، لا جديد.. يُحب أن يكُون بمعزِل عن العالَم، أحزَانُه لهُ وحده.. لا يُحب أن يُشارك فيها أحدًا ولا أن يرويها لأحد.. لأن أحزَانهُ من واقعه.. وهو يتأملُ واقعهُ بعين التحدّي، ويرسُم غدَه بقلم التخطيط لا الأمل.. إن قابلك لدقائق صُدفةً في شارعٍ مزدحم لن يتذكر اسمك، وإن كُنت من أعزّ معارفهِ لن يتذكّرهُ كذلك، وغالبًا لن يستمتع إن وصفتَ لهُ شيئًا أو حدثتهُ بكلامٍ معسول.. إما أن تُريه الشيء عوضًا عن وصفه.. أو أن تُريهُ أفعالكَ بدلًا من كلامك.. سريعُ الملل من الرُوتين، رغم أن حياتَه روتينية في الغالب تسيرُ كمُحركٍ مُعقد كثيرِ البراغي، بنظامٍ شديد، وكُلما حدث ما يُمكن أن يُفسد ما قد خطط له.. يعُود ليرسُم خطةً جديدةً تتماشى مع المعطياتِ الجديدة.. شديدُ التعقيد.. شديدُ التعقيد.. ولا أحدَ منّا يعلمُ ما يُريد فعلهُ أو ما يشغَل باله.. اللهُ وحده يعلَم.. إن صادف وجمعتك علاقةٌ مع هذا النوع، ستَراهُ يُحبك لكنّه لن يعبر عن ذَلك بقصائد قيس وليلى، بل بقلبٍ أحمر يُرسله في آخر محادثتكما، أو كلمةٍ جميلةٍ ينطقها بلهجـةٍ خالية الشعُور، هُو لا يكرَهُك، هُو يكادُ أن يموت فرحًا حينَ يلقاك، ويمُوت حُزنًا حين فراقك.. لكنّ عقلَهُ لا يسعهُ تعبير ذلك، هو يعلم كيف يُدير أُموره، وينظّم أوقاته ويُكافح في دراسته، وربما امتلكَ حسًا كوميديًا لا بأس به.. لكنّ مخرجاته ضئيلة إن تحدثنا من جانب المشاعر العاطفية.. لذلك قد تعتقد أنهُ لا يعبأ بوجُودك بينما هو يتمنى وجودك.. ومهما منحتَهُ من الحُب والاهتمام ستتوقف مبادلتهُ لك بنفس المشاعر عند نقطةٍ معينة، لا يعود قادرًا على أن يمنحك المزيد بعدها، ولو أنه يشعر بخلاف ذلك.. معقّدٌ كما أخبرتك!.

والبعضُ الآخر لهُ عقلٌ يميلُ لأن يكُون رسمةً، أن يكون نسمة، أن يكون الطبيعة بذاتها.. بتقلُّباتها المزاجية، أن يكُون عدسةً تُدقق في صغائر التفصيل، وأن يكُون طفلًا يغيبُ النومُ عن طرقِ بابِه بسببِ كلمةٍ قالها لهُ أحدهم وهُو يمزح -أزِل هذه الإبتسامة الخبيثة عن وجهك، أنا لا أعنِي موجة الترند الساخرة طبعًا!-، يغفُو أحيانًا بسعادةٍ كقطٍ مليء البطن، ويسهرُ ليلهُ يُسامر ذَاته في أحيانٍ أخرى.. لديهُ حبُّ الشعُور وتقديسُ جمالِ الكلمة وتعظِيمُ التفاصيل، هُو ذاتُه الذي تراهُ يَزنُ كلامه ومزاحه، ويعلمُ تحديدًا ما ستُصيب كلمتهُ من الشخص الذي يُحادثه، يَحذِف رسائلهُ مِرارًا ويُعيد ترتيب كلماتها، ينتَقي "إيموجياته" بعناية شديدة، وينتقي أحرُفه بعناية أشد.. عقلٌ بسيط.. يُصارع خيالهُ واقعَهُ كُل حين.. فتارةً يغلبُه واقعُه فيحزَن.. وتارةً يغلِب خياله فتراهُ يرسُم أجمل الأحلام ويلَوّن أبهى الأماني وينتقي أغرب المُعجزات التي ستحدُث لهُ في هذه الحياة الجميلة، لديـه خُططٌ محدودة، ولا يمنحُ وقتًا للتفكير في الأمور الجادة، يُحب أن يستمتع بالحياة وبالأشخاص وبما يفعل.. لا يُحب الإلتزامات الواقعية الكثيرة، ويميلُ للعاطفيّ منها.. أخبرتُك أنَّه بسيط.. لكِن بساطَتُه سر تعقيده.. ما يُفرحهُ قد يُحزنه إن تغيّر فيه تفصيل، وما يُحزنهُ قد يُفرحه إن أُضيف له تغيير.. يحفَظُ عادات أحبّته وتصرفَاتهم وجداول نَومهم وأطوالَ أظافِرهم، وينسَى واجِبهُ الذي يجِبُ أن يُسلّم صباحًا.. يقضي أوقات فراغِه في الهوايات بدلًا من الإلتزامات.. ودُودٌ جدًا ولطيفُ المعشر.. يتذكّرُ اسم بائعِ الحلوى اللطيف الذي مرّ من شارعهِ لمرة واحدة حين كَان في السادسة، ويحفظُ أسماء معارفهِ الربَاعية.. لا أقُول أنهُ مهووسٌ بالتفاصيل لكنّه يعلم عدد الشعرات في حاجب صديقه المفضل!.. سريعُ البوح بما في خاطره – ليس مع الجميع بالطبع، قد يتصادفُ كونه انتقائيًا وحذرًا - متحمسٌ للتحدث دائمًا .. تُرسل لهُ رسالةُ نصيَّة فيرُد عليك بمقطعٍ من قصيدة، أو باقتباسٍ من كتاب، ثريُّ المخرجات مهما شحّت المُعطيات.. يُدير معكَ حوارًا عن البقدُونس وفوائده ثُم يناقِش مَعك "هاملت" لشكسبير.. ويتطرّقُ بعدها لمُستقبل البورصة المشرق! لتكتشفَ بعدها أنك قضيت نصفَ يومك بينَ أحاديثه وحواراته.. وإن صادفك في علاقة، سيجعلُك تحب الليل وتحُب النهار، تحب شمس الصيف وتحب صقيع الشتاء كذلك، تحب وجوده، وتركيزه في تفاصيلك التي حتى أنت تغفَلُ عنها، سيمنَحُك أكثر مما تعطيه دائمًا، سيجدُ طريقةً ليتفوّق على كُل كلامك العذب، وسيجدُ دربهُ ليضعك دائمًا في موضع الإنبهار بهِ وبشخصيته الجميلة، وعاداته الأجمل، وسيفاجئك بتعبيراته الأخّاذة، وكلماته الموزونة الجميلة.. وقد تقدم له أبسط البساطة، فيطيرُ بها فرحًا ويكتُب عنها شعرًا.. كما أخبرتُك.. لا يزال تسعده كلمة وتؤرّقه كلمة.. عقلٌ بسيط لكنّه ليس كذلك.
ولأنّ العقُول -كأعضاء حيويّة- مُعقَّدةٌ أصلاً.. قلّما تجِدُ عقلاً بسيطاً في أدائه وتحليلاته.. عوضًا عن أنك قد تجدُ ضالتك في أحد الأطفال قليلي التجَارُب، أو في أحد البُلهاء بطيئي الاستيعاب.

ألا تُوافقني أن من العجِيب حقًا قُدرةُ العقلِ الحاسُوبي على إنهاء أي تواجُد للقلب وخواطِره؟ ، ولذلِك ترى القلب يتبعُ العقلَ هُنا.. لا مشاعر، لا عاطفة، هُو مجرَّد عُضو ضاخ للدماء لا أكثر، و ويلٌ لهُ إن سوّلت لهُ نفسه أن يضُخ شعورًا أو ينبض بإحساس. أمّا القلبُ المغلف بأجنحة الفرَاش يطغى على العقلِ الذي كينُونته اللطافة.. فتراهُما يتشاوران في قرارت الحُب وسيناريوهات المعجزات الحالمة، ويتناولان قهوَة الصباح في دُكان الخيال الفسيح الواقع في زاويةٍ من زوايا شارِع المشاعر الفيّاضة.. وإن مسّ القلبُ حزنًا أو أصابَ العقلُ تفكيرًا مؤرقًا يتناوبان سهرًا على التوقعَات والتحليلات، كحارسا مشفى عجوزَان قد أهلكتهما تفاصيلُ الحياةِ وتقلُب الأزمان.
أما أنا يا صديقي، فقَد كُنت رقيق القلبِ دومًا، شديدَ الجذب، سريع التفاعُل، أُجيد من الكلامِ القيلَ والقال، وعُمري تسعة عشر خريفًا منذُ يوم وُلدت، و ثلاثُون شتاءً مُنذ خُضت تجربتي الأولى.. وإني لأرى فارقُ العمرِ بين السنين والتجارُب أولَى بأن يُذكر دائمًا.. لكنّني تغيَّرتُ تباعًا.. تقِل اهتمامَاتي بالتدريج، وتزيدُ رغبتي في أن أُخطط لا أن أحلُم.. أن أحظى بساعات نومٍ كافية وليذهب "أحدُهم" الذي قال لي الكلمة الجارحة إياها للجحيم، ولتلحق بهِ كلمته.. إحساسي بالذنبِ قد تضاءل وصرت أميلُ للإعتقاد أنني بشريٌ طبيعيٌ يخطئ ويُصيب ويتقلّبُ بين أحوال الحُزن والسعادة - أكثر من اعتقادي أنني قَد خُلقت لنشرِ الفرح على وجوه الجميع وإماطة الحصَى من طُرق الحالمين الوعرة، فقدتُ حسًا إبداعيًا ما.. لا أعلمُ ماهو تحديدًا لكنّ إحساسي بفقداني لهُ يجعلني أعلم ذلك.. أصبحتُ أرى أن جواب ١+١= ٢ أكثر مما كُنت أراه ١+١=١١ لذلك أعتقد أنني فقدتُ بعضًا من سعةِ خيالي أيضًا، فقدتُ حسًا كوميديًا ساخرًا، وتركيزًا في التفاصيل، وذاكرةً من حديدٍ قاوم الصدأ.. لكنّ الصدأ قد تمكّن منهُ أخيرًا.. أتذكرُ تاريخ ميلادي وتواريخًا مُحببة لي، تقلص عددها من المئة إلى العشرين.. أتذكرُ أصدقائي المعدُودين على أصابع اليدين فقط.. وأنسَى أسماء زُملائي في أحيانٍ كثيرة، لازِلتُ أحلمُ لكن بواقعية ما عهدتُها عن نفسي.. لازلتُ أضحك لكن بحساباتٍ ما كُنت أضعُها، لازلت أنتقي "إيموجياتي" بعناية، وكلماتي بنفس العناية.. لكنّ حسًا من الصراحة الزائدة بات مُسيطرًا على الموقف.. قلّ تأثُّري بكلامك وزاد تطَلُّعي لأفعالك، ما صرتُ أُطيق الكلام عن مشاكلي الشخصية وصعُوبات الحياة التي تعترضني، أنا الذي كُنت ما أطيقٌ صبرًا أن أبُوح بما في خاطري وأروي قصّة حياتي ولعنةُ أحزاني المزعومة لأوّل غريبٍ يُجاورني في مقعد الحافلة.. وعلى غرار الحلاج حينَ قال: "ديني لنفسي ودينُ الناس للناس" أصبحتُ أقول: "همّي لنفسي وهَمُّ الناس للناس".

أنا معلَّقٌ بينَ ما كُنت عليه وما صرت أحتاجُ أن أكون عليه.. مُمسكٌ بالعصا من المُنتصف.. عقلِي حاسُوبيٌ لكنّه لا زال يرسُم ويُجيب المقرَّبين بقصيدةٍ أو باقتباسٍ.. قلبِي سميكُ الغلاف لكنّ غلافَهُ قد حبسَ بداخلهِ فراشةً تحوم بلا ضجر.. أتأثرُ أحيانًا بنصفِ كلمة، وفي أحيانٍ أُخرى حينَ تُحاصرني الهُموم أغُط في نومٍ عميق.. لأصحُو صبيحة اليومِ التالي بادئًا يومي بابتسامة.

من هم الأبطالُ حقًا؟


مُذ كنت صغيرًا وأنا يعتريني ذلكَ التَعلّق الشديد بالأبطال الخارقين، حالي كحال جميع الأطفال الحالمين بقُوى خارقة -ولا تُنكر أنك كُنت أحدهم في يومٍ من الأيام- .. شاهدنا جميعًا كُل هؤلاء "المختارين" وهُم يرتدون أرديتهُم عجيبة الشكل، متميزين بصفاتٍ تمنيناها، ومحاولين نصرَ الحق وإبادة الظُلم وأهله.. بدءًا من "طرزان" الذي كان يعيشُ بين الأدغال، وصُولًا لـ"الرجل الحديدي" المُزود بأحدث التقنيات لجعلِ نُصرة الحق وهزيمة الظالمين مسألة وقتٍ لا أكثر.

زرعت فينا أفلامُ الأبطال الخارقين وقصصُهم نظرةً خيالية لا تمُد للواقع بأي صلة قرابة، نحنُ دائمًا نتخيّل أن الأبطال الخارقين قد تمت تسميتُهم بذلك لأن الواحد منهُم قد أعطي من القوى الخارقة مالم يحظ بهِ غيرُه من البشر، وفي غالب الأحيان نحنُ نؤمن أن الأبطال الخارقين قد وُلدوا في مجلّات "مارفل" و "دي سي" وتم تطويرهم وإظهارهُم في الأفلام السينمائية للشركتين السابق ذكرهُم، لذلك لدينا اعتقاد شديدُ الثبات أنه لا وجُود لهُم من الأساس، بل حتى أنه لا وجود لشطري التسمية، فلا وُجود للأبطال في هذا الزمن، ولا وجود بالضرورة للخارقين منهم!.

أعددتُ قهوتي التي أشرَبُها على سبيل التباهي ليسَ أكثر، وارتديتُ نظارتي التي تُظهرني مُثقفًا، وها أنا ابدأُ معكَ يا قارئي العزيز حوارًا جديدًا أطرحُ لكَ فيه ما أراهُ قابلًا للطرح، داعيًا لك أن تشاركني الحوارَ ذهنيًا أو واقعيًا.. فهيا بنا قبل أن ينفد فنجانُ قهوتي الصغير، وقبلَ أن تملّ من قراءة سطُوري .. ودُون إسرافٍ في المُقدّمات لأنني لا أُحب المقدمات كما تعلم..

دعني أحدثك عن الأبطال الخارقين..

سمعتُ أن مطرقةً غنّت أُغنيةً ذكرت فيها أن "البطل" هُو من امتلكَ عُودًا قد التَف -وفي ذلك من السُخرية الشيء الكثير إن كُنت تفهمني- ، لكنني أرى أن البطلَ حقًا ذلك الإنسان الذي تراهُ ملهمًا لغيرهِ مُساعِدٌ لمن حَوله في حُدود ما يستطيع، حريصٌ على تطويرِ نفسِه وإفادة مُجتمعه ببذل كُل ما يُمكنه بَذله، محافظٌ على قيم حميدة وأخلاق فاضلة.. وناشِرٌ للإيجابية والتفاؤل بأفعاله وكلماته.

لطالما كرهتُ الصورة النمطية للأبطال.. أن ننتظر يومًا يحُل فيه الظلام على العالم، ليأتي شخصٌ ما يرتدي بزّةً خارقة تحت بدلةِ رسمية، ويُعلن لنا أنه قد جاء ليحرر عالمنا مما تفشى فيه من الظُلم قبل أن نهلك جميعًا، ولكم تعجبت من انتظارنا الـمُتواصل لأبطالٍ يخرجوننا من مشاكلنا ، ويحلُون لنا أزماتنا المستعصية، مُتجاهلين أبطالًا نلقاهُم كُل يومٍ دون أن نُعيرهم انتباهًا ، ودُون أن نتحدّث عنهُم لنشكرهم بالشكلِ الذي يستحقُّونه طبعًا.. لذلكَ أنا أعتذرُ باسم المُجتمع لكل بطلٍ نبيلٍ غفلنا عن أعماله وتجاهلنا وُجوده.

نحنُ نتجاهَلُ شرطيّ المرور الذي وقفَ ليُنظم سير الطريق تحت عاصفةٍ هوجاء، نتجاهَلُ عامِل النظافة الذي ما انفَك يُنقذنا من أنفسنا، نتجاهَلُ البُسطاء الكادِحين عزيزي الأنفُس خفيفي الظِل الذين نلقاهُم صُدفةً ويَرسُمون سراجًا لبعضِ أيَّامنا القاتمة بضحكاتِهم الجَميلة وإيجابيتهِم الفائضة، نحنُ نتجاهَلُ الأُناس الطيبين.. الرجلُ العجوز الذي قدّم لنا الحلوى حينَ تشاركنا ذات الكُرسي في الحافلة، والمرأة طاعنة السن التي رفعت أكُفها بالدعاء لنا حين رأتنا ذات صباحٍ حاملين حقائبنَا ومتوجهين نحوَ كُلياتنا أو مدارسنا.. نتجاهَلُ من تبسّم في وجُوهنا، ومن همسَ لنا بكلامٍ عذبٍ جميل.. نتجاهلُ من يخبروننا بألسنتهم وأفعالهم أن العالم لا يزالُ فيه الخير، نتجاهلُ المجتهدين الحالمين بتحقيق الأفضَل لمجتمعنا.. وتغيير حاله للأجمل.. نحن تجاهلنَا الطالب الذي يستيقظُ فجرًا لا لشيءٍ إلا لأن طمُوحه أن يستطيعَ يومًا أن يصل إلى هدفِه ويُفيد مجتمعه وأمته بما يتعلمهُ.. تجاهلنَا المعلمين والعُلماء.. تجاهلنَا الأطباء الناجحين والمُهندسين المتميزين، والمُخترعين المبدعين، والرياضيين ذوي الرسالة، الذين ساهم كُل منهم بدوره في رقُي مجتمعه، تجاهلنا الكثير من نماذج الأبطال حولنا.. أوتعلَمُ من تجاهلنا أيضًا يا عزيزي؟ لقد تجاهلنا أنفُسنا!.

لقد تجاهلنَا أسَرنا، غفِلنا عمّا قدمه لنا آباؤنا ، عمّا عانوه يَوميًا ليجلبُوا لنا لُقمة العيش، وليشتروا لنا ما نحتاجُه و ما نرغَبُ به من ملابس وألعابٍ، غفلنا عمّا سُرق من أعمارهم في سبيل سعادتنا وتوفير الراحة لنا والعناية بنا، تجاهلنَا ما سُرق من صحة أُمهاتنا في سبيل رؤيتنا ننعُم بالحياة الهادئة المُريحة التي لا شقاء فيها بفضل الله ثُم بأفضالِهم علينا.. وتجاهلنا ما يضعُونه على طاولتنا كُل يومٍ من تربيـةٍ وإرشاداتٍ حكيمة، قبلَ الطعام الذي يُوضعُ كُل يومٍ على ذات الطاولة. لقد تجاهلنا أصدقاءنا أيضًا.. هؤلاء الذين أسندُونا حينَ مالت علينا الدُنيا ودارت بنا الدوائر، أولئك الذين ساعدُونا حين ضَاق بنا الحال، واستمعوا لشكوانَا دُون ضجر ولا ملل.. أصدقاؤنا الذين جبرُوا خواطرنا، وجمَّلُو صُورتنا في أعيُن الناسِ وفي أعيُن ذواتِنا، وستروا عُيوبنا.. من كانُوا معنا في الضراء قبل السراء قاطعِين على أنفُسهم عهُودًا أن تكُون سعادتُهم من سعادتنا، وأن نتجاوز الأحزان سويًا مهمَا بلغ مداهَا. لقد تجاهلنا أنفُسنا.. ما سعينا إليه من إسعَاد الناس، وما تطوعنا لفعلهِ بطيب نفس دُون أن نرجُو أجرًا لذلك مما عندهُم، حينَ ساعدنَا عجُوزًا في عبُور الشارع، حينَ دللنا ضالًا حتى اهتدى، حينَ كتمنَا غيظًا، حينَ صُنّا ألفاظنَا حتى لا يُجرح أحدُهم من كلماتنا، أنسيتَ حين شجّعت طفلًا؟ و دعَوتَ لصديقك في ظهرِ الغيب؟ حين نصرتَ مظلُومًا؟ وساعدت فتاةً ضايقها بعضُ أشباهِ الرجال؟ أنسيتَ ذات يومٍ حين أعطيت ذلك السائل كُل ما في جيبكَ راجيًا أن يجعلك اللهُ سببًا في تيسير حاله؟ أنسيتَ كلماتك الطيبة التي وهَبتها لمَن يحتاجُها وأنت قد كُنت في أمسٍّ الحاجة لمن يقُولها لك أيضًا؟ أنسيت يومَ أن ربّت على كتفٍ وأنت أحوَجُ الناسِ أن يُربَّت على كتفك؟ أنسيت طلبك للعلم وأنت ترجُو اللهَ أن يعينك لتُفيد الناس؟ وأن يوفقك ليكُون لكَ هدفٌ نبيل ورسالةٌ هادفة في هذه الحياة؟ أنسيتَ ما بذلتَ وصنعت انطلاقًا من فطرَتك السليمة وقلبك الطاهر؟، إياكَ أن تنسى ذلك أبدًا أيُّها البطل.. إياك أن تنسى أن أسرتك -أو من يقُوم بأدوارهِم- أبطال.. وأصدقاؤك أبطال.. وأنتَ أيضًا بطلٌ من ضمنِ الأبطال!.

أنا وأنتَ يُحيطنا الأبطال من كُل الجهات.. لكن يا عزيزي ليسَ البطلُ ذاك الذي لديه ملايينُ المتابعين والـمُتابعات على مواقع التواصُل ليخرج علينا كُل يومٍ بصدرهِ مفتُول العضلات مُذكرًا إيانا بما حققتهُ أغانيهِ ومسلسلاته من نجاحات لا لشيءٍ إلا أن أمثالهُ من عديمي المسؤولية غائبي الثقافة يُتابعون فنّـهُ الهابط، وليس بطلاً ذلك المُطرب الذي أتوقعُ –والعِلمُ عند الله- أن صوتهُ قد شابه صوتَ صرير باب غُرفتي قبل أن أُعالجه بالزيت.. ليسُوا أبطالًا حقًا.. أعظم صفات الأبطال أنهُم يعملونَ في الخفاء، غير باحثين عن السلطة أو المال، أو حتى لفت الأنظار، يقُومون بأفعالهم البطولية كُل يومٍ دون كلل ولا تعب ولا يطلبُون لذلك أجرًا إلا من رب العالمين.. إن الأبطال حولنا.. لكننا ننظُر للجانب الخطأ، نُشغل أنفسنا بالحديث عن الأُناس الخطأ، نُحدثُ ضجةً عن الأفعال الخطأ.. ونتجاهلُ الأشخاص الخطأ حقًا.

حينَ كُنت في العاشِرة، أي في الصف الثالث الإبتدائي تقريبًا، لم أكن أكثرَ من طفلٍ شديد الفُضول وكثيرِ الأسئلة، وقد حاولتُ آنذاك أن ألتحق بجماعة المكتبة في مدرستنا، ونجحتُ في ذلك.. لذلك تراني كُل "فسحة" أتوجهُ إلى المكتبة لأقرأ بعضَ الكُتب الصغيرة وأستعير منها ما لم يُمهلني جرسُ الحصة حتى أنتهي من قراءته.. ولاحظتُ بعد مدة من تواجدي المستمر في المكتبة أن الأستاذ المسؤول عنها يجلسُ كثيراً أمام حاسوبه وقد تصلبت عينَاهُ على أحد البرامج التي تبدو شديدة التعقيد في نظري، في إحدى المرات غلبني فضولي فسألتُه عن ذلك، وأخبرني أن ما يقوم به يُدعى "مهنة التصميم" وهو أن تقوم بدمج بضع صور وبعض العبارات معاً لتحصل على مادة ثرية في نهاية الأمر، وزاد ذلك من فضولي.. فأصبحتُ أزعجه يوميًا بزياراتي، وأخذتُ نسخةً من البرنامج على جهازي، ولم يمضِ وقتٌ حتى أصبحتُ أطبق ما يُعلمني إياه ذلك الأستاذ الفاضل.. لم ينزعج يومًا من سؤالي بل شجّعني و علّمني و وقف بجانبي.. وها أنا الآن بعدَ تسعة أعوامٍ من تلك الأيام.. أُجيد التصميم بشكلٍ لم أكُن أتوقعُه أو أحلُم به، وقد انفَتح لِي الكثيرُ من أبوابِ الرزق -بفضل اللهِ أولًا- ثُم بفضل ذلك المعلم الذي ألهمني وساعدني وما انفَك يدعمُني.. هُو بطلٌ في نظري دائمًا!.

حين أصبحتُ في الصف الخامس الإبتدائي، كتبتُ واجب تعبيرٍ كان قد طلبهُ منا معلم المادة.. تحدثتُ فيه عن فصل الخريف.. ولم أكتُب أكثر من خمسة أسطر.. لكنّ مُعلم المادة سألني بتعجّب إن كُنت أنا من كتب هذه الأسطُر أم أن أحدَ الكبار قد ساعدني في كتابتها؟ وحين أكّدتُ له أنني أنا من فعلَ ذلك.. طلب من الجميعِ في الفصل أن يُصفقوا لي تقديرًا لما فعلت، ولأنه رأى أنني كتبتُ جُملاً يعلُو مستواها عن مستوى طالبٍ في المرحلة الإبتدائية.. كان ذلكَ سبب إلهامي، وإيماني أنه يُمكنني أن أكتُب ما يحُوز على رضا الناس، وعملتُ جاهدًا مُذ ذاك الحين على أن أكُون كاتبًا محاوِلًا تطوير نفسي بشتى الطُرق.. والآن الفضلُ في قراءتك لهذا المقال يعُود -بعد الله- لمُعلمي البطل الذي بثّ فيّ هذا الإيمان وشجعني لأستمر فيما أقُوم به.

أذكُر لك هذين المثالين لتعلمَ ما يُمكن أن يُحدثه الأبطال من تأثيرٍ خفيّ في حياة أحدهِم.. وفي هذا دعوةٌ لأن نستمر في كوننا أبطالًا، فكَم من حياةٍ ستتغيرُ للأجمل إن استمررنا بدعمِ صاحبها وإلهَامه؟ ، علينا أن ننقُل المبادئ السامية والأخلاق الحميدة للأشخاصِ الذينَ نُخالطهم –لاسيما صغَارُ السن منهم- بدءًا من كلماتنا المُلهمة والمشجّعة وصُولاً إلى أفعالنا التي تُثبت قيم البطُولة والإيجابية وتُرسّخ الإيمان بالفعلِ النبيل ومالهُ من عظيم الأثر في رُقي الأفراد والمُجتمعات.. أفشُوا البُطولة بينكم، واضرُبوا بالصُورة النمطية عرضَ الحائط.. نحنُ جميعًا أبطال، وكُل من قَام بعملٍ نافعٍ طيب الأثر مهما كانَ بسيطًا- لهُو بطلٌ كذلك.

ختامًا، سلامٌ على كُل شهم نبيل استمَر في تقديم نموذج مشرفٍ لما يجبُ أن يكُون عليه الإنسان الراقي وخَذلتهُ إطراءاتُ الناسِ وتجاهَلهُ مديحُهم.. سلامٌ على كُل مُلهمٍ حسن الذكر، وكُل جابرٍ للخواطر، وكُل مُبتسمٍ تبسّم ليتصدق بنشر الإيجابية والتفاؤل فغدا بطلًا لأحدهم، سلامٌ على من حولنا ممن دعمونا وجاهدوا ليُسعدونا، سلامٌ لكل من استَغل ما يعلمهُ لرفعِ مُجتمعهِ وأُمته.. سلامٌ علَى مُحاربي الإكتئاب وناشرِي السعادة فيمَن حولهُم.. سلامٌ لكلّ أبطال عالمنا اليَوم ولكُل بطلٍ قد اندَثرَ فعلُه عندَ الناس ولكنّ رب الناس لا ينسَاه.. سلامٌ على الأبطال في كُل مكان وزمان..أسألُ الربّ السلَام أن يُحِلّ علينا جميعًا السلام، وأن يعفُو عنّا بأفعالنا الطيّبة النقيّة.. وأن يُعيننا دومًا لنكُون أبطالًا مُلهِمين وأن يهدِينا لدربِ عبادهِ الـمُصلحين الصالحين..آمين.

يومَ أن زارنا الكُورونا



ضجّت الأَخبَار في الصُحف، و تكلّم الإعلام المرئي والمَسمُوع.. حلل المُحللون، تحدّث ذوو الرأي السديد ومن لرأيهِم قيمةٌ.. وأيضًا أولئك الخائضين في أي حديثٍ ولا يزِنُ قولُهم جناح بَعُوضة، كُلٌ يُغني على ليلاه في موضُوع هذا الوباء الجديد الذي اجتَاح الأرض من غربها لشرقها، وأصَاب عددًا لا يُستهان بِه من البشر.. فايروس كورُونا عَاد إليكُم بشكلهِ الجديد! أهلًا بالزائر لا رعاهُ الله ولا حفِظه.

كانت كُل الدُول التي يُصيبها هذا الفايروس اللعين تُعلن حالاتِ الطوارئ في ذُعر، وتُطالب الشعب أن يختبؤوا خلفَ جدرانِ منازلهم، يُصلون كثيرًا لتَمُر الأزمةُ دون خسائر.. إلا دولة واحدة.. أنكرت حُكومتها وجُود إصابات، وضرب شعبُها بالحذرِ عرض الحائط، ولم يكتف الشعبُ بذلك فحسب، بل سارع أفرادُ الشعب ليُسابقوا بعضهم للإستهزاء بهذا الوباء والسُخرية منه، راسمين بذلك أبشع لوحاتِ اللامُبالاة والإستهتار... لم تعرِف الدَولة بعد؟ لا تقُل لي أنَّك لم تفعل.. أرى ابتسَامتك الخبيثة من خلفِ الشاشة.. نعم نحنُ نُفكر في نفس الدولة الآن، عدد حرُوف اسمها ثلاثة، و يُقال أن لها باعًا طويلًا في الحضارة والتقدُّم قد بلغ السبعين قرنًا.

لكنني لستُ هُنا لأُطيل الحديث.. تذكّرتُ إحدى آياتِ القُرآن الكريم حينَ رأيتُ السخرية قد تفشّت وزادت في أرجاء البلادِ كُلها وكُلٌ يسخرُ بطريقته وأُسلوبه.. لذلكَ دَعنِي أُذكرك بتلك الآية في كتاب الله تعالى إذ يقُول الإله عز وجل:

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)

وأقتَبسُ من المختصرِ في التفسير: "ولقد عاقَبنا أُممًا من قبلك بذنوبهم فأرسلنا عليهم الشدائد كالفَقر وبمَا يضُر أبدانهم كالمَرض، من أجل أن يخضَعُوا لربهم ويتذللوا له."

وتستَمرُ الآيات في سَرد ما حَدث:

(فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

أي "لو أنهم حين جاءهم بلاؤنا تذللوا لله وخضعوا له ليكشف عنهم البلاء، لرحمناهم، ولكنهم لم يفعلُوا ذلك، بل قَست قُلُوبهم فلم يعتبروا، وحسّن لَهُم الشيطان ما كانوا يرتكبُون من الكفر والمعاصي، فاستمروا على ما كانُوا عليه."

إذًا.. ماذا فعلَ اللهُ لهم حينَ قست قُلوبهم واستكبروا عن التوبة؟ تستَمرُّ الآيات بإخبارنا..

(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ)

متّعهُم الله في حياتِهم ثُم أخذهُم بغتةً سُبحانهُ وهُو القادر على كُل شيء.. نعوذُ بالله من غضبه.

فأما البلاءُ فيُبعث في الناسِ بظُلمهم ليعُودوا إلى ربّهم ويستغفروه من ذُنوبهم وليعلمُوا عظيم قُدرته وافتقَارهُم إليه.. فإذا صارت مواطِنُ الاتعَاظ والخُوف من الله مواطنًا للضحك والإستهزاء و "تكبير الدماغ" فلا ننتظِرُ إلا ما هُو أشدُّ من البلاء!.

لذلك.. لنُحكم عُقولنا، ولنتعظ بما عندنا من الأخبار والآيات، ولنبتعد عَمَّا يُرى من مظاهر الإستهزاء والخوض بالضحك في كُل ما نراه، غير عابئين بآياتٍ أو عبر، ولا متخوّفين من بلاءٍ أو بطش.. وكأننا أمنّا مكرَ الله!.

ودعُوني أفتَرضُ–لا قدّر الله- أن يمَس هذا الداءُ أحد أولئك المُستهزئين، ويمُوت بهِ.. هَل هُو مُستعِدٌ للقاء الله؟، أم هل استَعددتَ أنتَ للقائه؟ أم هل استعددتُ أنا؟، ولا أدري مالذي يجعَلُنا في قمة الثقة أن هذا الداء لن يُصيبنا؟ وكأننا علِمنا الغيبَ وقرأنا ما في اللوحِ المحفوظ!.. فمالنا لا نخشَعُ ونتعظُ ونستغفر؟ كأنّنا قد ضمنّا حياتنا، وأننا ضمنّا أن ندخُل الجنة إن مُتنا!.

فلنحذر جميعًا ممّا أصبَح دارجًا من مُوضة "الترند" واتخاذ أي شيء على محملِ الهزل والسُخرية، نسألُ الله أن يرحمنَا ويعفُو عنّا ويغفر لنا.. وأن يَرفع عنّا البلاء ويقينا من عذابِه إنَّه على كُل شيءٍ قدير.

كُتبَ في يوم المرأة العَالمي



- تحذير قبل الإقلاع : هذا المقالُ القصير لا يُعبِّر عن حالة الكاتب الإجتماعية، فهُو لا يزال بائسًا غير مُبالٍ بالبحثِ عمّن يُشركها معهُ في هذا البؤس.. إنما مقالهُ استعراضٌ لغويٌّ لما يُتخيل من رسائل عاشق لحبيبته الغائبة في اليومِ العالمي للمرأة.. وهذا التحذيرُ قد كُتب خصيصًا لكُل من يعرفُ الكاتبَ معرفةً شخصية، وللأقارب مُتسرعي الأحكام هدانا الله وإياهُم .. والله خيرٌ حافظًا وهو أرحم الراحمين.

ثُم كان ممّا قالهُ في رسالته بعدما غابا عن بعضهما طويلًا:
"ثُم إن الوقت بكِ وإليكِ يعُود.. فلا معنى لهُ بدونِك، ولا سبيلَ لعيشِه سوى وجُودك، فإن فهمتي فهذا حسنٌ.. وإن استفهمتي فأنا أنبؤك حتى تفهمي..

يَمُر الوقتُ دون لُقياك كما يَمُر قطارٌ خربٌ على سكَّة عوجاء متوجهًا نحوَ مدينةٍ خاليةٍ من السكَّان.. والمدينة خالية السُكنى هنا هي قلبي إذا ما غبتي.

أما حينَ ألقاكِ.. فالجَو الحارُ يضحو نسيمًا باردًا، وتزأرُ عواصِف الشِتاء حتى تدخل في حرمك، فإن دخلت انقلبَت العواصِف الزائرةُ إلى جو صافٍ هادئ الملامح، كهدُوء ملامِحك الأخَّاذة.

شديدُ البرودة يصبِح ساخنًا، وشديدُ الحرارة يُمسي باردًا في حضرتك، وما ذاك لشيءٍ إلا أن وجُودك يُحدث الفارق دائمًا ويقلبُ الموازين.. ولعلِّي أخبركِ – من وجهة نظري المتواضعة- لمَ سُمِّي "القلبُ" قلبًا؟ .. ولمَ يُشاع أن الحُب مقرُّه ومستودعه في القلب؟ هل أنتِ منصِتةٌ؟.. جميل..

أقُول – وأجري على اللهِ فيما أقُول- .. أن القلبَ سُمي بذلك لأن المحبُوب إذا دخل قلب مُحبّه قَلبه قلبًا من حالٍ إلى حال، وإن للقلبِ أحوالاً يتقلَّب  بينها سواء في الحزن أو في المسرَّة، وقالبُ القلبِ المفضّل دائمًا هو محبُوبه.. وتعلم أنّك أمام شخصٍ تحبه حقًا إذا ما وجدت حالك يُقلب للأجملِ إذا حضر، ويَنقلبُ للأسوأ إذا ما غاب عنك.. فتِلك علامة قلبيّةٌ على دخُول هذا الشخص لقلبِك.

وبعدَ هذا الكمِّ المُتقلِّب من حروف القاف واللام والباء، أجزم أنكِ يا قلبي تتمنين أن أُصاب بسكتةٍ قلبيّة لترتاحي من هذه المُبالغات النثرية.. لكن يؤسفني أن أُخبركِ أن هذا لن يحدُث بعد مشيئة الله – على الأقلّ حتى أفرغ من مقالي هذا-.

وللأمانة العلمية – أو للأمانة الفلسفيَّة- ، فإنني حتَّى وإن رجوتكِ ألّا تغيبي.. إلا أنك في الحقيقة لا تغيبين عني ولو لحظة.. حضُورك باهرٌ نعم، ولكنّ غيابكِ صارخٌ أيضًا.. يصرُخ في أرجاء عقلي وطُرقات تفكيري، فما ألبثُ أن أفكر في شيء إلا رأيتُكِ فيه، ولا أتأملُ شيئًا إلا سمعتُ صدى صوتك يتردد في ذاكرتي، لا يوجدُ شيءٌ في هذا الكون أستطيع أن أفكر فيه دُون أن أربطهُ بكِ، بدءًا من الإنفجار العظيم، مرُورًا باجتماعات مجلسِ الشعب، وصولاً إلى فاصُولياء جدتي.. لا شيء يمنعُني من التفكير بكِ.. ولنبتعد قليلًا عما كثُر من الكلام العذب، ولأُلخّص لكِ هذه الجمل الطويلة متراصة الكلمات..

فأنتِ يا حُلوتي مهما ابتعدّتي وطال غيابُك، إلا أنك تبقين حاضرةً هُنا دائمًا.. في قلبي."

الشوربة والزبادي وكفتيريا الكُلية



في ثقَافتنا مثالٌ جميلٌ جداً.. خطرَ على بالي اليوم حين وقعت عيني على عُلب الزبادي المتراصة في ثلّاجة كافتيريا الكُلية رديئة الخدمة، تذكرتُ حين قالت لي أمُي في جلسةٍ دافئة الأثر "يابني الي يتلسع من الشوربة.. ينفُخ في الزبادي".

وإنني لأتوقع –من منظوري الشخصي- أن الدماغ البشري يستخدم استراتيجية صارمة جدًا لحماية الإنسان من نفسه.. لحمايته من توقُّع الأجمل دومًا من الآخرين، لحمايته من طيبته الزائدة، ولحمايته من ظنّ الخير المُلازم له دائمًا.

أرى أن الدماغ يصلُ لنقطة معينة بعد عدد معيَّن من التجَارُب الفاشلة.. ويبدأ بإعادة ترتيب أوراقِه من جَديد، يغيِّر الدماغ طريقة تفكير الشخص ومبادئهُ الانتقائية عنوةً لحمايته من آثار التجارب السابقة، ولضمان عدم تكرار المواقف المُؤلمة التي مرّ بها قبلًا.. ونتيجةُ ذلك أن ترى الشخصَ قليل الكلام مع تحفظاتٍ كثيرة على شخصيته.. أو قد ترَاهُ كثير الكلام دائم التَبسم والمزاح، لكنّه ينتقي ما يقُول قبل أن يقوله ويعرِف ما سيقُول ومن سيقُول له واضعًا في الحسبان الطريقة التي سيقُول بهَا، دارسًا أثر الكلام الذي سيقُوله على من سيتلقّاه.. أيضًا ستراهُ لا يسمحُ للجميع بأن يتعرّفوا عليه.. يُبقي جزءًا من نفسه غيرَ منكشف لعامة الناس، ويُبدي ذلك الجُزء لمن يراه يستحِق أن تربطه به علاقة.. تراهُ ينتقي من يُصاحبهم بعناية شديدة جدًا معتمدًا على لائحة طويلة من المُتطلبات والشُروط التي لم يكُن يبحث عنها سابقًا، وكذلك يُركز في أدق التفاصيل شديدة الصِغر ويعتبرُها مصباحًا لكشفِ طريق الشخصية القابعة أمامه.. وحينَ أقُول علاقةً هُنا ، فأنا أعني الصداقة أو الحُب على حدٍ سواء.

سترَى الفتى شديدَ الاجتماعية ومحُب التجمعات يصلُ لمرحلةٍ أخرى من النضج.. يُصبح غير مُبالٍ بمن لا تربطه بهم علاقة وطيدة، قاسيٌ لكنَّه مبطَّن بأسلُوبٍ جميل، لا يُجامل أو يترُك لأحدٍ مجالاً أن يُفسد عليهِ حريَّته ومتسعَ راحته فيما يفعل، واصلًا للتوازن المطلوب حيثُ أنّه لا يُبالي بوجود الآخرين، لكنّه في ذات الوقت لا يَطردهُم من حَوله.. فهُو ليسَ فظًا غليظ القلب، ولكنَّه أيضًا ليسَ سهلاً شديد التعلُّق.. إنما يُصاحب ويُعطي كُل من حوله على قدرِ ما يرى منهم.
لفتَ نظري أنُّنا أثناء فترَة المرحلة الإبتدائية، نتعرَّفُ على عددٍ هائل من الناس تحت مُسمى "أصدقاء"، لكنّ هذا العدد سُرعان ما ينقص لأكثر من النصف في الفترة الإعدادية، ثم يتزايدُ نقصانه في الفترة الثانوية، وتبدأ في التفريقِ بين الألفاظ..

فالصدِيقُ ليسَ زميلًا.. والصداقةُ ليست علاقةً وقتيةً مع شخصٍ بما بدافعِ ظروف تواجدكم في ذات المكَان لفترةٍ طويلة، ولَا تُقاس الصداقة بطُول مدة المعرفة.. إنما الصديق من صَدقَك وصدّقك، من عَلم عيُوبك ولم يبتعد عنك بل قـوّمك، من أراد لك الخير حيثما كان وكُنت، الصديق هو من يسعى لإسعادِك بكُل ما يستَطيع، الصديقُ هو كتفُك الثالثة، هُو من طابق تفكيرُه تفكيرك، وراقت لهُ نكاتك السَمجة، هو ذلك الشخص الذي تستطيعُ أن تكُون معه في أقصى درجات بلاهتك دُون حرج، وتكُون معه في أقصى درجاتِ جديّتك، وتراه محتويًا لكَ في الحالتين.. هو من مدّ لكَ يدَهُ حين كفَّ البَاقُون أيديهم، من يقرأُ نظراتِ عينيك، ويحفظُ ملامح شخصيتك وأُسس تفكيرك، والصديق وحدهُ من يعلم كيف ينزِع اعترافك الحزين من بين ضحكاتِك الزائفة.

هِي علاقةٌ عكسيّة، بين النُضج وعدد الأصدقاء، فكُلما زادَ نُضجك زادت رغبتُك في أن تُصادِق من يستحِق حقًا.. ثُم تصبح انتقائيًا جدًا بعد تجارب معينة تتعلم منها ألّا تطلق على كُل من هَب ودَب لقب "صديقي"، بل ستقُوم بتقسيم الناسِ في حياتك إلى طبقاتٍ، وتُنزل كُل واحد منزِلتهُ الصحيحة حتّى لا تُخذل من جدِيد.

إنَّك حين أعطيتَ أناسًا أكبر من أحجامهم، وبالغت في تقدير من لا يستَحق تقدِيرك، وتأمّلت خيرًا فيمن لا يُرجى منه الخير.. ثُم حدَث ما حدث، فلانٌ خذلك، وفلانٌ أفلت يدَك بعدمَا أقسم بأغلظ الأيمَان أنه لن يفعل، وعامَلك آخرٌ بما ليس أهلًا لمقامك وقلل من تقديرك واحترامِك، أنت هُنا يا عزيزي كمَن وضع أمامه طبقٌ من الشُوربة.. فسَارع في تذوّقها دون تفكير، فاستَحق ما حصلَ لهُ من لسعِ "لسانه".. كذلك الحياةُ تضعُ أمامك شوربة "الأشخاص" محاولةً إغراءك، فإن تسرعت في أحكامك عاقبتكَ بلسعةٍ لتعلّمك الدرس..

ومَن لُسعَ من الشُوربة، سيصِل بهِ الحذرُ إلى أن ينفُخ في الزبادي! .. ستراهُ يتمهّل في علاقاته ويختَبِرُها قبل أن يخوض فيها، لا يغتَر بالمظَاهرِ المادية، ولا المواقف السطحية العادية، ولا يتأملُ خيرًا من أحد، ولا ينتظِر شيئًا من أحد، ليسَ عنده استعَدادٌ أن يُشدّ على يدِ من لا يستحق، لأن الحياةَ علّمته ألا ينتظر حتى لا يُخذل، وألّا يتمسك حتى لا يُترك، وفي أكثر الأحيَان.. من مدّ يدهُ أولًا يكُون أكثرُ الخاسرين في النهاية.. ستراهُ يعلم متى يجِبُ عليه القتال، ومتى يكتفي بالإنسحاب، ومتى يُثير ضجةً لانسحابه، ومتى ينسَحبُ في هدوء.. سيغدُو حذرًا، سينفُخ دائمًا قبل أن يتذوق..

فقدتُ تركيزي لوهلةٍ وتصلبتُ أمام عُلب الزبادي سارحًا في خيالي واسع الآفاق، وما نبّهني لواقعِي إلا صوتُ "طَنط اعتماد" الأجش وهي تُناديني على استعجالٍ لتُعطيني شطائرِي عديمة المذاق التي طَلبتُها من كافتيريا الكُلية، الآن لا مجال للتفكير فِي الشُوربة أو الزبادي أو سكيولوجية الدماغ المعقدة في التعامل مع العلاقات، يبدُو أن وقتَ التَسمم قد حان الآن، وأنا إنسانٌ أحب الإلتزام بمواعيدي دائمًا.. لذلك أراكم لاحقًا يا رفاق!.


© 2017