يومَ أن زارنا الكُورونا



ضجّت الأَخبَار في الصُحف، و تكلّم الإعلام المرئي والمَسمُوع.. حلل المُحللون، تحدّث ذوو الرأي السديد ومن لرأيهِم قيمةٌ.. وأيضًا أولئك الخائضين في أي حديثٍ ولا يزِنُ قولُهم جناح بَعُوضة، كُلٌ يُغني على ليلاه في موضُوع هذا الوباء الجديد الذي اجتَاح الأرض من غربها لشرقها، وأصَاب عددًا لا يُستهان بِه من البشر.. فايروس كورُونا عَاد إليكُم بشكلهِ الجديد! أهلًا بالزائر لا رعاهُ الله ولا حفِظه.

كانت كُل الدُول التي يُصيبها هذا الفايروس اللعين تُعلن حالاتِ الطوارئ في ذُعر، وتُطالب الشعب أن يختبؤوا خلفَ جدرانِ منازلهم، يُصلون كثيرًا لتَمُر الأزمةُ دون خسائر.. إلا دولة واحدة.. أنكرت حُكومتها وجُود إصابات، وضرب شعبُها بالحذرِ عرض الحائط، ولم يكتف الشعبُ بذلك فحسب، بل سارع أفرادُ الشعب ليُسابقوا بعضهم للإستهزاء بهذا الوباء والسُخرية منه، راسمين بذلك أبشع لوحاتِ اللامُبالاة والإستهتار... لم تعرِف الدَولة بعد؟ لا تقُل لي أنَّك لم تفعل.. أرى ابتسَامتك الخبيثة من خلفِ الشاشة.. نعم نحنُ نُفكر في نفس الدولة الآن، عدد حرُوف اسمها ثلاثة، و يُقال أن لها باعًا طويلًا في الحضارة والتقدُّم قد بلغ السبعين قرنًا.

لكنني لستُ هُنا لأُطيل الحديث.. تذكّرتُ إحدى آياتِ القُرآن الكريم حينَ رأيتُ السخرية قد تفشّت وزادت في أرجاء البلادِ كُلها وكُلٌ يسخرُ بطريقته وأُسلوبه.. لذلكَ دَعنِي أُذكرك بتلك الآية في كتاب الله تعالى إذ يقُول الإله عز وجل:

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)

وأقتَبسُ من المختصرِ في التفسير: "ولقد عاقَبنا أُممًا من قبلك بذنوبهم فأرسلنا عليهم الشدائد كالفَقر وبمَا يضُر أبدانهم كالمَرض، من أجل أن يخضَعُوا لربهم ويتذللوا له."

وتستَمرُ الآيات في سَرد ما حَدث:

(فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

أي "لو أنهم حين جاءهم بلاؤنا تذللوا لله وخضعوا له ليكشف عنهم البلاء، لرحمناهم، ولكنهم لم يفعلُوا ذلك، بل قَست قُلُوبهم فلم يعتبروا، وحسّن لَهُم الشيطان ما كانوا يرتكبُون من الكفر والمعاصي، فاستمروا على ما كانُوا عليه."

إذًا.. ماذا فعلَ اللهُ لهم حينَ قست قُلوبهم واستكبروا عن التوبة؟ تستَمرُّ الآيات بإخبارنا..

(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ)

متّعهُم الله في حياتِهم ثُم أخذهُم بغتةً سُبحانهُ وهُو القادر على كُل شيء.. نعوذُ بالله من غضبه.

فأما البلاءُ فيُبعث في الناسِ بظُلمهم ليعُودوا إلى ربّهم ويستغفروه من ذُنوبهم وليعلمُوا عظيم قُدرته وافتقَارهُم إليه.. فإذا صارت مواطِنُ الاتعَاظ والخُوف من الله مواطنًا للضحك والإستهزاء و "تكبير الدماغ" فلا ننتظِرُ إلا ما هُو أشدُّ من البلاء!.

لذلك.. لنُحكم عُقولنا، ولنتعظ بما عندنا من الأخبار والآيات، ولنبتعد عَمَّا يُرى من مظاهر الإستهزاء والخوض بالضحك في كُل ما نراه، غير عابئين بآياتٍ أو عبر، ولا متخوّفين من بلاءٍ أو بطش.. وكأننا أمنّا مكرَ الله!.

ودعُوني أفتَرضُ–لا قدّر الله- أن يمَس هذا الداءُ أحد أولئك المُستهزئين، ويمُوت بهِ.. هَل هُو مُستعِدٌ للقاء الله؟، أم هل استَعددتَ أنتَ للقائه؟ أم هل استعددتُ أنا؟، ولا أدري مالذي يجعَلُنا في قمة الثقة أن هذا الداء لن يُصيبنا؟ وكأننا علِمنا الغيبَ وقرأنا ما في اللوحِ المحفوظ!.. فمالنا لا نخشَعُ ونتعظُ ونستغفر؟ كأنّنا قد ضمنّا حياتنا، وأننا ضمنّا أن ندخُل الجنة إن مُتنا!.

فلنحذر جميعًا ممّا أصبَح دارجًا من مُوضة "الترند" واتخاذ أي شيء على محملِ الهزل والسُخرية، نسألُ الله أن يرحمنَا ويعفُو عنّا ويغفر لنا.. وأن يَرفع عنّا البلاء ويقينا من عذابِه إنَّه على كُل شيءٍ قدير.

© 2017