لا أذكُر هذه القصّة على سبيلِ التفاخُر بطاعة، لكنّني أذكُرها لأدلّك على باب خيرٍ عظيم.. علّك تأخُذ منها الفائدة وترى فيها العِبرة.. واللهُ من وراءِ القصد.
أعلمُ أن الحياةَ تبدُو صعبة، لديكَ ظرُوفك، تُحيطك إختباراتٌ ما أعددت لها، والضغط العصبيّ يلازِمُك كظلّك أو أشد.. لكنّني سأحاول أن أدلّك على حلٍ سحريٍ وأعدك بنتائج مضمونة.. خفّف ما بكَ من توتر، لقد بذلتَ طاقتك.. جهّز قدحاً من القهوة وتعال لأُحدّثك قليلاً.. اجعل القدح قدحين واحد منهُم "سُكر زيادة" لأنني أحُب القهوة هكذا.. جهزته؟ جميل.. هيا بنا..
ديسمبر، 2019.. هاتفي ما عاد يحتمل، مدمّرٌ أكثر من برلين حين دخلها الجنُود.. وأنا أضحيتُ عصبياً بسبب بُطئه وكثرة مشاكله.. الحقُّ أنني أنهكتُه وأنهكني. أُحاول جاهداً الحصولَ على هاتف جديد، لكنّني لا أستطيع لذلك سبيلاً، المادة تقفُ عائقاً بيني وبين ذلك. أثناءَ تصفحي في مواقع التواصل، وجدتُ منشوراً استرعى إهتمامي.. كان تابعاً لإحدى أكبر قنوات اليوتيوب في المنطقة العربية، كانوا يقدمون هواتفاً مجانية للمُتابعين على مدار أسبوعين! وكُل ما يتطلبك الأمر أن تفعله هُو أن تكتبَ تعليقاً وتنتظر أن تكون ضمن سُعداء الحظ الذين يتم اختيارهم عن طريق القرعة على مدار 14 يوماً. كتبتُ تعليقاً.. كُنت أتمنى الفوز حقاً.. تمنيتُه من كُل قلبي حتى أصبحتُ أدعو أن أفوز في القرعة.. دعوتُ الله كثيراً أن يُحقق لي ذلك.. وكان لديّ طريقتي السحرية للفوز.. أنا أقُوم الليل (الله أكبر)، ولذلك قررتُ أن أدعو بالفوز في قيام الليل.. وعلى مدار أسبوعين كُنت أقوم الليل وأدعُو بكل يقين في الإجابة، ثُم أستيقظ صباحاً لأرى اسم الفائز بالهاتف وأنا واثق تماماً بأنني سأكون هو.. لكن للأسف لم أكن الفائز الأول، ولا الثاني، ولا الثالث.. وهكذا رُحت أصلي وأدعو ليلاً ، وأستيقظ صباحاً لأكتشف أنني لم أفز.. وفي آخر يومٍ من ديسمبر، انتهت مدة السحب، في هذا اليوم تم الإعلان عن آخر فائز .. لم أكُن أنا بالطبع، أصابني حزنٌ شديد.. ما تعوّدت ألّا يستجيب الله لي حينَ أدعوهُ بكُل ثقتي، حينَ أتضرع إليه ليلاً.. وهُو يعلم صِدق حاجتي. لكنني قُلت لنفسي "لعلهُ خير".. وحتى أكونَ صادقاً، فقد راودنِي شعُورٌ باليأس، كُل هذا الدُعاء ولم يُستجب لي! لكنّني قُمت ليلتها كذلك، وحمدتُ الله على ما وفقني إليه، وجدّدت خضُوعي بين يديه ورضاي بأقداره، ثم أنهيتُ صلاتِي وعُدت إلى سريري الوثير لأنعم ببعض الراحة.. ينتظرني في الغد يومٌ طويلٌ جداً.. سيعُود والدي من السفر وعليّ استقبالهُ من المطار.
في اليوم التالي.. وصلَ والدِي بحمدالله، استقبلتهُ في المطار وعُدنا إلى المنزِل وبعد ساعاتٍ من الحديث، في لقطةٍ لا تُمحى من ذاكرتي، أخرج لِي هاتفاً جديداً اشتراهُ لي! أنا لم أخبِرهُ عن حاجتي إلى هاتفٍ جديد! لم أحكِ لهُ أيّ تفاصيلٍ عن كُل هذا!، لكنّه ابتاعَ لي هاتفاً جديداً، واحزروا ماذا يا رفاق؟ .. لم يكُن كالهاتف الذي خسرته في تلك القرعة... كان أفضل منه!.
لقد استجاب.. كان قدّ رتّب الأقدار حتى أدعوه ويستجيب لي.. كان يؤخّر الأمرَ فقط، لكنّه استجاب، وراضانِي بأفضل مما أتمنى وبأفضل الصُور الممكنة التي كان عقلي يعجَزُ حتى عن تخيّلها.
قُم ليلَك، تحرّى الثُلثَ الأخيرَ من الليلِ (حينَ ينزل اللهُ إلى السماء الدنيا) واقتنص فيه ركعات، فإن استصعبت ذلك فأوتِر بركعة واحدة وأطل ركُوعك فيها وسجُودك، أطل دُعاءك وخشُوعك، ادعُ الله أن يثبّتك على الحق، وأن يرزقك الجنة، ثم ادعُ لنفسك، لعائلتك، ادعُ لصحتك، لدراستك، لمالك، ادعُ بكُل أمنياتك من أصغرها حتى أعظمها.. ادعُ الله أن يوفقك في طريقك وأن ييسر لك أمورك، ادعُ الله يا صاحبي ولا تخجل، والله قد فاتنا خيرٌ عظيم من قلّة دعائنا وكثرة ابتعادنا.
ليست قصّتي الأولى مع القيام وليست الأخيرة، كم من إختبارٍ دخلتُه وركبتاي ترتجفان (بتخبط فبعض أيوا والله) ، وخرجت منه لأحمد الله على ما وفقني إليه، كم من رزقٍ ساقهُ الله لي، كم من تغيّر في الحال لامستُه بعد دُعائي و وقوفي بين يديه. وأسمعُ صوتاً من الخلف يُنادي (انت بتتنطط علينا يعني عشان بتصلي القيام وعشان جالك موبايل وبتجيب درجات كويسة في المواد؟) فأُجيب أنّي ما ذكرتُ ما قد ذكرتُ إلا من بابِ الحثّ على الخير، وشحذ الهمم وتقوية الأمل وزيادة الرجاء وإخلاص اليقين بالله، والتوكّل عليه.. وأُرجع الفضل لما أنا فيه من خيرٍ ونعم للهِ سُبحانه وتعالى "وأما بنعمة ربك فحدث" وقد حدثتك بها وذكرتها حتى يشتدّ سعيُك ويزيد حماسُك حين أحكي لك، وأدعُوك أن تُجرب القيام والدُعاء، لترى بنفسك نتائج ما أُحدثك عنه.. القيامُ يا صديقي والدُعاء!.
اللهُ كريم! الله قريبٌ منّا جميعاً لكنّ تقصيرنا يمنعُنا من استشعار ذلك، ادع الله بيقين.. ادعُه بإخلاص، وسترى دُعاءك رأي العين إن شاء وكان خيراً لك.. اسأل اللهَ أن يُلمهنا التعلق به والخشوع بين يديه واللجوء إليه، واسأله أن يرزقنا الإخلاص وألّا يفتننا حتى نلقاه.. اللهم آمين.
