وحين البأس




لطالما وقفت بقارعة طريق الصابرين متأملًا حالهم، وشددتُ كرسيًا متهالكًا لأجلس مُمعنًا النظر.. أدقق، وأستغرق في تفكيرٍ عميق، كيف يمكنُ لبشر أن يتعرض لهذه المواقف الكاسرة، ويبقى صامدًا؟ كيف يمكن لمخلُوقٍ من طين، أن يتجرأ ويحمل هذا الحمل الثقيل؟.

الصبرُ يجعلك أكثر قوة، والإنسان لا تقوى شوكته ، ولا تتشكَّلُ شخصيته إلا بعد مرُوره بمنعطفات شديدة في حياته، ينجُو منها ليصبِح أقوى.. هل جربت أن تلعب التمرين الشائع المسمّى "الضغط" أو الـ"Push Up" من قبل؟ تبدأ بـ10 عدّات، ثم تشعر أن أذرُعك ما عادت تحتمل، داوم عليه لفترة، ستعتاد الـ10 عدّات ، وستضطر لبُلوغ العشرين حتّى تحس بنفس الألم السابق، هكذا الحياة.. كلّما جاوزت صعوبات أكثر، وأنعطفت بحدة أكبر كلما وجدت نفسك تسخر من مواقف كنت تحسّها في ما مضى أكبر المُوجعات.


تفقد صديقًا، تتعرضُ للخيانة ، تمرّ بمواقف الضغط العصبي، يُستهزأ بك، يصيبك مرضٌ أو يصيب من تحب.. تفقدُ الأمل، يقتلك الحنين والشوق، تتشكل القوالب وتتغير المسميات، وتبقى ضرباتُ الحياة تتوالى ، تتسارع.. تتفادى إحداها لتبطش بك الأخرى.. تتجاوز الجبل لتسقط في قاعٍ جديد.

تضربك الحياة كلما سنحت لها الفرصة، هِي تحاول كسرك، وإن أخذت محاولاتها على أنها مصائب فإنك ستنهار تحت وطأة الصدمات، وتضيع في أمواج البلاء.. لكن.. إن أخذت المجريات على سبيل التقوّي وزيادة رصيد التجارب والخبرات ، فأضمن لك مرُورك السلس السريع من بين كُل ما تلقيه الحياة على عاتقك .. لا أقول أنك لن تجرح، ستُجرح وتتألم، لكنَّ ندوبك ستشفى مع مرُور الزمن، وستغدو علامات على رشد رأيك ونفاذ بصيرتك، لأنك قد خضت مع الحياة عديد المعارك، واستبسلت حتى أضحت رؤيتك ثاقبة، وفهمك أوسع.

وهكذا يُصنع الحكماء، ويُصقل ذوو الرأي والمشورة، أصحاب الفكر السديد، والقول الرشيد.. فابتسم ياصاحبي إن قست عليك الحياة، واضحك في وجه المصاعب والإبتلاءات إنما هي درجاتٌ نحو قمة الحكمة، وإنك ذائق الألم لامحالة.. فاختر لنفسك بين أن تذوقه مستهونًا ، أو مستصعبًا.

إن انتهت دروسك.. لملم أوراقك .. وزُرني .. ستجدني هنا، بعد أشهرٍ أو سنوات ، أسحب كرسيًا متهالكًا ممعنًا النظر في صبرك، أتقوّى بك وأتقوّى منك، وأبقى جالسًا على قارعة الطريق لتهمس لي بتفاصيل رحلتك، لتخبرني أنك أصبحت منهم.. من الصابرين حين تميلُ الحياة وحين البأس!.


© 2017