أحلامُ تحت الأنقاض


الأماني، الأحلام ، الآمال، الطريق الممهد للمجد ، سمّها كما يحلو لك، واجمع كل المترادفات، لكن تذكر أنه لا وجود لها في العالم العربي.. يمكنك أن تحلم ببراءة اختراع.. أو تحلق بآمالك إلى حيث يمكنك الفوز بجائزة نوبل عن بحث علمي ما.. لكن حالما تعود لعالم الواقع ، وتحط طائرة أحلامك في مطار الحقيقة، فإنك ستدرك حقاً كم كنت مغالٍ في خيالاتك؛ أنت تعيش في العالم العربي، حيث المسافة بين الفكرة الرائعة ومقتلها هي ذات المسافة بين شفتيك حين تقول : " لن تنجح" ، في العالم العربي حيث كل الأفكار المبدعة، والأحلام الخلابة لها طريقان لا ثالث لهما ، أولهما الدفن السريع ، وهو يأتي عادةً على صورة رد مباشر بدون توقع العواقب ، وفي الأغلب يقع ضحاياه صغار السن.

فإن لم يدفن حلمك بسرعة، فاعلم أنك ستمر بالطريق الثاني، وهو الدفن ببطء! ، ستكون من سعداء الحظ الذين يقال لهم في البداية: "نحن ندعمك" ، قبل أن يُصدموا في النهاية بالحقيقة المرة ، يدعمونك ، فإن لاحت آفاق النجاح ، وكاد يصل إليك ضياؤه، سرقوه منك ولم يكد بعد يلامس وجهك لتشعر بلذته ، ولتحس بنشوته.

أنت تعيش في العالم العربي حيث كلما أردت مساعدةً من أحد أصحاب النفوذ تدرك حقيقة المثال القائل : المستجير بعمرو حين كربته ، كالمستجير من الرمضاء بالنار.. فهو إما أن يسرق فكرتك، وإما أن يطردك من الباب الخلفي! ، نحن شعب يحب دفن المواهب والأحلام، لا تظنن أنك بعيدٌ عن ذلك ، فكر جيداً وتذكر معي.. كم مرةً أبدى أخوك الأصغر أو أختك الصغرى ، ولدك أو ابنتك ، فكرةً لم تعرها إنتباهك ، ولم تصغِ إلى ما يقول بشأنها ، ثم أنك لم تكن بمزاج جيد لهذا الكلام الفارغ، فرميته برصاص التحطيم، وأبدت آماله عن آخرها، أهنئك.. هذه أحلام شخص آخر في طريقها إلى المحرقة ، حيث لن يتبقى منها سوى الرماد الذي قد يأتي أحدهم في يومٍ ليلملمه ، ثم يبحث عن مصدره ولربما أعاد إحياء تلك الفكرة التي اغتلتها منذ زمن ، ولربما نجح وكُتب لهُ أن يدخل التاريخ ، حينها .. سأتشوق لرؤية نظرة الندم على محياك .. ولأراك وأنت تحاول أن تبرر قتلك العشوائي للأحلام!.

كنت أبلغ عشراً من السنين ، حين أصبت برصاص التحطيم الأول، كنت في بداية الأمر أفكر في أن أكون مؤلفاً، وعرضت الفكرة على أحد الأشخاص ذوي الشأن بالنسبة إلي، ولكنه قدم لي كأساً فيه جرعة من ماء الحقيقة المر.. في الواقع كنت أحلم وقتها بأن أدخل موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية كأصغر كاتب في العالم!، إنها أحلام ساذجة كما ترى، وكما أرى أنا بعد سبع سنواتٍ عن تلك الأيام، قال لي : "إن العالم لن ينتظر أمثالك ليكتبوا التاريخ، هناك المئات ممن هم في عمرك ولكن هل ترى أحدهم يهتم بما تفعل أنت الآن!؟"، رغم أنني أرى بعد تلك الأعوام أن الأمر كان برمته لا يستحق العناء، إلا أن قلبي لا تزال فيه ندبات من ذلك اليوم، بكيت كثيراً وقتها وقد أحسست ألا أحد يبالي بأحلامي، وأحمد الله أن ربط على قلبي لأستمر فيما أقوم به، رغم أنني لازلت أتعلم، ورغم أن مقالاتي شديدة الرداءة كثوبٍ بال.. إلا أنه لايزال أمامي الوقت -إن شاء الله- لأطور حلمي، ولأعيد خياطة ثوبه البالي بشيءٍ من العناية حتى يعود جديداً.

لا تحطموا أحلام أحد، اهتموا بما يقوله الصغار، شجعوهم للقيام بما يحبون وما يتمنون أن يقوموا به مهما كان الأمر سخيفاً في نظرك، الله وحده يعلم كم من "نيوتن" جديد قد دفن تحت أنقاض التحطيم، وهو أعلم بعدد الذين كادوا أن يكونوا عظماء لولا فأسُ كسر الأحلام.

© 2017