مسلم معاصر


في العالم الافتراضي قابلته، في تلك الممرات الخالية من الحياة لكنها مع ذلك لا تخلو من التفاعل، "مواقع التواصل" ، كانت إحدى الصفحات تطرح سؤالاً سخيفاً حول إن كنت تستطيع امتلاك قوى خارقة، فماذا ستفعل؟ .. تجاهلت الأمر قليلاً ، ولكن الفضول دفعني إلى التعليقات لأرى ما يقول الناس، فكان أن ظهر هذا الأخ قائلاً: "لهدمت الدين الإسلامي ووضعت ديناً جديداً أسسه الأخلاق والرحمة والحب"، رد فعلي كان كلمة "تباً" طويلة سمعت صداها في أرجاء مخي ، ثم توجهت إلى خانة الرد وكتبت : "عفواً ، أنت مخطئ بالتأكيد، إن ما ذكرته أنت هي أخلاق الإسلام بالفعل!"، أجابني: "لو أن هذه أسس الإسلام فماذا عن داعش؟".. كنت قد بدأت في كتابة مقال مطول عن أنه ليس جميع المسلمين "دواعش"، وأن الدين الإسلامي هو الدين الأكمل على وجه البسيطة، إلى أن قاطعني بعض المتحمسين جزاهم الله خيراً، وانهالوا على الرجل بالشتائم والسباب!

وما أثار أسفي في الموضوع أنهم كانوا جميعاً من شباب المسلمين!، لا أنكر أن موقفي كان عسيراً حينئذ، فكيف أشرح للرجل أننا دين الأخلاق، وأمثال هؤلاء يترقبون الفرص لكي يستخدموا اقذع الألفاظ في سبيل "حماية الدين" كما يقولون ، غير مدركين أنهم أحد الأسباب التي قد تجعل المرأ ينفر من الدين الإسلامي! ، وما أنقذني من موقفي هذا إلا قيام الرجل بحذف التعليق، لكن الحكاية ظلت لصيقة جدران ذاكرتي، فقد فكرت حينها بتعمق قليلاً في وضع الأمة الإسلامية الراهن، فكرت كيف أن الناس الآن يتعاملون مع الدين الإسلامي بسطحية وعدم وعي، حتى لقد صار كلٌ منا يفسر الدين على ما يقتضيه هواه وشهواته!، فكرت كيف أن إسلامنا وحبنا لله عزوجل ورسوله الكريم صل الله عليه وسلم صار يقاس بالإعجابات، وكيف أنه صارت من علامات صدق الدين الإسلامي وجود "طماطم" على شكل إنسان ساجد - وبالمناسبة لو قلبت لأظهرت تمثال بوذا ولأصبحت دليلاً لصدق البوذية!" ، كيف وصلنا لمرحلة من السطحية في الدين ، لدرجة أنّا أطلقنا المسميات، فأطلقنا على من يصلي ويصوم ويقرأ القرآن لقب "مطوع" أو "شيخ" ، متناسين أنها ركائز الإسلام ، والوضع الطبيعي للإنسان المسلم!

كيف خصصنا للمتدين تصرفات محددة لا يحيد عنها ، فهو لا يلبس الماركات، ولا يساير الموضة ، ولا يلعب كرة القدم، ولا يبتسم، وذو صوتٍ جهور في أغلب الأحيان! ، إنها تلك النظرة النمطية التي بنتها السينما المعاصرة للمسلم المتدين! ، ثوب قصير وعين تحدق في كل شيءِ بشيءٍ من الوقاحة ، ولحية ثائرة ، وشكل مهمل ، وبلاهة وسذاجة تحوم في وجهه ، تلك هي الأفكار التي يريدون تثبيتها في العقول، ولعمر الله لقد نجحوا في ذلك كثيراً!

يترك الكثير من المسلمين الآن بعض تعاليم الدين الإسلامي بحجج أنها قديمة أو "لا تناسب العصر" ، فترى أحدهم يستحي من تقصير ثوبه ، وآخر قد تكاتفت جميع أنواع الأتربة في العالم وكونت نسيجاً سميكاً حول مصحفه -إن كان لديه واحد- ، فهو مشغول عنه يتابع أحدث إخبار الفنان "فلان" ، ويبحث عن سبب فشل حمل الفنانة " علانة" ، أو قد تراه -نادراً- يتبع تعاليم الإسلام التي تحث على القراءة والاطلاع ، فتفرح للوهلة الأولى عندما تراه من بعيد ممسكاً بكتاب، ولكن عندما تقترب أكثر وتتضح الرؤية تكتشف صحة الحكمة المأثورة " ليس كل ما يلمع ذهباً " ، فقد تتفاجأ بأن موضوع الكتاب "الكبت الجنسي" أو "تطور السينما في القرن الواحد والعشرين"! ، أنا لا أعارض فكرة القراءة في مجالات شتى ، لتبني للمسلم الثقافة التي تلزمه في هذا العصر، ولكنني أرى أن مبدأ "الأهم فالمهم" من الواجب تطبيقه ، فلربما رأيت أحدهم يقرأ في كتاب مما سبق، هو لم يمسس المصحف منذ ستة أشهر، ولم يقرأ كتاباً دينياً في حياته.

هو واقع نعيشه ، وما باليد حيلة ، وإنني آمل أن تحول هذه السطور إلى أفعال، لا سطور تقرأ بالفم لتخرج مع أول زفرة من صدرك!.

© 2017